القائمة الرئيسية

الصفحات

رد شيماء العريقي على الرسالة الثالثة للكاتب وثيق القاضي الذي يتقمص بها دور غيث

رد على الرسالة الثالث للكاتب وثيق القاضي من شيماء العريقي


رد الكاتبة شيماء العريقي على الرسالة الثالثة للكاتب وثيق القاضي الذي يتقمص بها شخصية غيث


كاتبين يمنيين يتبادلان رسائل الغرام عبر التواصل بشكل فضيع احدهم بشخصية سارة ، والاخر بشخصية غيث
"من سارة إلى غيث" (الرسالة الثالثة)

أعلم أنه قد مر وقت طويل على رسالتك 
و تأخرت في الرد ،
هل يؤذيك هذا ؟

ماذا يقول الشخص الفارغ الممتلئ ؟
كيف يحكم السيطرة على أشباح الكلمات و المشاعر أمام هذا الليل الممتلئ بثاني أكسيد الكربون الذي يسترق مني بقايا الأحلام التي أعيش بها في نهار الوهم الكئيب. 
ماذا عساي أن أقول يا غيث ؟
أكلت الأبجدية لسانها ، و أغلقت شفتي دون البوح ،لا قدرة لي على الحديث أكثر ،فكلما حاولت فشلت في ذلك وساد الصمت راقصا على مسرح الضجيج الذي يعج بداخلي.
في هذه المرة لمست بعضا من الأمل في حنايا رسالتك،الأمل الذي لم أعد أتخذه سوى سلاح فتاك أقتل به ما تبقى بي من نبض ،
تحدثت عن الجو الجميل والمطر والأشجار وبعض المفردات التي تلقحت من حبر قلمك الذي أهديتك إياه ،ها هو يكتب وجعنا اليوم ،يوثق قصتنا على أوراق الحزن يا غيث...

نحن مرضى الحب يا غيث 

المرض اللذيذ القاتل، المرض الوحيد الذي نصاب به بكامل إرادتنا ولا نتمنى الشفاء منه، ليت قربك كان أقراص دواء أستطيع تعاطيها لأتعافى من ألم البعد ! ليت نظراتك كانت الأشعة التي يتعرض لها قلبي بشكل مستمر لأرى سبب الاختناق الذي أعاني منه كل ليلة... 
نحن المرضى الذين لم يلق أحد منا الرعاية حتى نشفى، لكننا أقل الأشخاص ذنوبا، لقد تمحصت ذنوبنا يا _غيث_ نعم تمحصت بقدر كل هذا العناء! 

أن تحب في الحرب هذا وحده يعد شرفا عظيما ،كافيا لأن تتغنى بالنصر رغم عدد تزايد القتلى وشافيا للكم الهائل من الوجع الذي يحاولون أن يقتلونا به...ها أنا ككل مرة أكتب لك ويداي ترتعش من هول الانفجارات يا _حبيبي_. 
يقولون إن عددا كبيرا من الضحايا غادر الحياة ليلة البارحة إثر القذيفة التي هزت أرجاء المدينة، هذه المدينة يا _غيث_التي كانت وجعين لا يخلو منهما الحب ،دائما ما أشبهك بمدينتي ودائما ما أخاف أيضا أن يزعجك هذا التشبيه لأنك تعلم كيف أصبحت يا غيث... 
لكن المدن لا تموت يا _حبيبي_ ،المدن تتشوه، تحاصر ،تتألم ،هكذا أنت أراك كتعز ،تتوجع وتصرخ وتبكي ،تغتسل بالدم نتيجة الضربات المتتالية عليك ،تواجه الموت بكل بضراوة ،

أنت المدينة التي تناضل حتى آخر نفس فيها ،
المدينة إنسان يكابد الشقاء ليعيش رعاياه في سلام ، تماما كأنت ،
كلاكما يرزحان تحت وطأة المأساة ليلا ويخلقان في الصباح جديدين ،

كلاكما حياة تقف في وجه الموت برباطة جأش و على أمل بالحرية .


رسالة وثيق القاضي الى سارة الرسالة الثالثة


من غيث إلى سارة ( الرسالة الثالثة ) 

أين أنتِ ..

الجو غائم. يا ـ بنت قلبي ـ هاهو الطَل يَقَبِلُ الأشجار التي باتت على وشك أن تفقد اخضرارها ، إنه شُباط يا أميرتي الهاربة، الشهر الكريم بالغمام ، الغمام التي تسقط من سماء الله لمعانقة الأرض ، الأرض الموحشة كالحرب ، الحرب من تشبه كقلبِ أبوكِ ؛ أبوكِ المُصاب بِداءِ حُب النقود المُتسخة كأفئدة المُجرمين ، المُجرمين الذين تتزين أكتافهم بالسلاح ، أولئك من يحملون الجُعب والأحزمة الناسفة ، ويصدرون الجُثث إلى بَطن التُراب ، وأنا جُثة سكنت صَدر الكوكب بسبب والدكِ الذي قَتلني ذات لحظة !

آهٍ لكم وددتُ لو أنكِ في جواري ، إنني أرتعد كعصفورٍ بعد ليلة ممطرة ، يااااه لو كُنتِ في القُربِ مني ؛ كنتُ سأحيكُ من ضحكتكِ معطفاً يقيني من برد الشتاء ، سأحولُ اِبتسامتكِ إلى بدلة مُنسقة، سأرتديكِ متجولاً شوارع هذه المدينة اليائسة ، سأصنعُ من خصلات شعركِ ربطة عُنق تتدلى إلى صدري فأنا لا أراني يوسفاً إلا بكِ يا حَمامتي ، سأضعُ أنفاسكِ الزكية بين عدة زجاجات عَطرية يا بؤبؤ عيني وحروف اللغة كي تعانقني العصافير وتقبلني النوارس حين تشمُ رائحتكِ التي تتطاير من فوق ثيابي ، ثيابي المُطرزة بحروفِ اِسمكِ يا مَجرتي والوجود .

الشهقات الحزينة لا تفارقني ، والاُمنيات التي تطايرت كما تتطاير الأشلاء في هذا الوطن ثم أختفت كما تختفي حُفنات التراب الناعمة بسببِ قوة الرياح ، الدمار الذي فَتتني منذُ رحلت ِ، كل هؤلاء سيئات اقترفهن والدكِ والفقر فجنيتُ ثمارهن أنا وقلبي وقلبي أنتِ ، من سينقذني من كل ذلك يا سحابتي والقطرات ؛ أواه يا اُنثاي ؛ وكأنني ولدتُ لِأعاني ؛ وكأن والدتي أرضعتني حليب الوحدة والوجع في طفولتي وقصتنا أكبر دليل وعلى الحقيقة راقصة ، كم سأنوح حتى أن ألتقيكِ يا وجعي وفرحتي ، يا وجودي وشتاتي ؛ أنتِ يا كل التناقضات ، كم وكم سأحتاج من الدموع أكرِم بهن حياتي الباهتة ولحظاتي اليابسة .

بُتُ حديث قريتي والقرى المُجاورة ، كلما صادفتُ شاباً وطفلةٍ وكهلٍ يلعنونني ، يقدحونني بأبشع السخريات ، ما ذنبي أنا ، ما ذنب هذه القطعة الموظفة بِتوزيع الدم إلى أجزائي عندما تتلقى الصواريخ والقنابل كما يتلقى هذا الوطن الكثير والكثير ، أنا والوطن وجهان لِمحنةٍ واحدة ، كلانا يتجرعان المآسي في ظل صَمت مُهيب من قِبل أولئك الذين كان عليهم إنتشالنا من كل هذا الدمار لا الرقص على صدى جراحنا ، لستُ أفهم لماذا اُبتيلنا بهذا العقاب يا سارة ، ذَنبنا أننا نحلم بحياة بيضاء تسيلُ من أركانها السعادة لكننا اُبتلينا بِشياطين سوداء أكرمونا بالعذاب والركلات . 

ها قد حل شُباط ، الأرض تفرد أجنحتها ، تستعد لموسم هطول الأمطار ، الجبال ترقص طربا ، الحصوات تحولن إلى حبات بيانو ، الأغصان إلى أوتار والورق إلى قصائد ، الأشجار تتمايل إشتياقا للغيث يا حِلوتي ، السماء باتت عروسٌ تتزين بالفساتين البيضاء ، العريس الموظف برعش السحاب بات يصقل مطارقه الحديدية ، يترقب إشارة من الرب كي يصب جام كَرمه وكَرمهِ غيثٍ نحو الأرض ؛ أما أنا ؛ هأنا أجوبُ السهول والوديان ، أستمع لأصوات الوحوش المُفترسة ، الوحوش تلك من تشبه أباكِ ، إنني أمرُ بلحظات صعبة ، أتجولُ بدون حبيب ولا رفيق أو صديق ، وحدي كما أتيتُ ، كما ولدتُ وفي هذه البُقعة هطلت وفيها سَكنت ، أعبُرُ بمرافقة نبضات قلبي ، نبضاتي اللاتي تصدح بقناديلكِ ، 

إنه شُباط ، هاهو جسدي عارٍ بدون لحاف وبدون معطفاً يحجب عني بقايا الصقيع ، أجزائي ذابلة كحياتي ، كأيامي ، كسنواتي وسنواتي بدونكِ يا حياتي عِجاف ، فمتى سألقاكِ ، متى ستكتحل عيني برؤيتكِ ، متى سأسرق منكِ قُبلة ومن القُبلة أكتب قصيدة ، متى ستضمينني إلى صدركِ ومن ضمتكِ أهديكِ مائة قصة وخاطرة ، متى سألفُ يدي حول خصركِ عابراً بكِ الشوارع والحارات والأزقة ، متى سأصنع من خصلات شعرك حِبالاً ضخمة ثم أطويها حول أعناق المُجرمين وعُنق أبيكِ كي أقتص منهم دفعة واحدة ونعيش نحنُ ويعيش الوطن براحة وطمأنينة ، متى ستهطلين إليّ غيثاً يروي جسدي المُنهك من شدة البُعد والفراق ، متى سيشربكِ قلبي مُزناً ونبيذٍ معتقٍ يا كل الحواس ، متى ستأتين إليّ ونصير عاشقين تغلبا على العادات والتقاليد السخيفة ، متى ستصبح قصتنا بطولة تصدح بها الأجيال القادمة بل ويحذو حذوفها كُلِ الآباء ، متى سيعلم الجميع أن لا فرق بين هذا وتلك ، بين شاب وفتاةٍ إلا بالحُب الأبيض والعشق الوردي والمشاعر الصادقة .

قد يعجبك أيضاً:

ما زلتُ في الوديان البعيدة من قريتي يا اُنثاي ، تركتُ منزلي عنوة ، شديتُ رحالي صوبكِ وأنا خالٍ من كل شيء إلا منك؛ أرتذيتُ قميصاً أبيضاً يشبه وجهكِ ، جيبه خالٍ من الورق وجيب قلبي مليء بالإشتياق لكِ ، أخطو كمجنونٍ بدون شعور ، مليء بالمشاعر تجاهكِ فَتِهتُ فرأيتني بدون بوصلة ، لستُ أدري إلى أين أوجه قِبلتي وقِبلتي أنتِ ثم أنتِ لا أحداً سواك ِ، الحرب قتلت القوانين والأنظمة ، أحرقت الرايات واللافتات لافتةً لافتة ، مزقت العباراتِ عبارات الحُب عبارةً عبارة ، دَمرت المنازل وهدمت الشوارع وخطوط الإسفلت بدون رحمة ، أحدثكِ كشاهد عيان ، لستُ كاذباً يا كل الحياة ، لأني رأيتُ كل شيء أمامي،

شاهدتُ الأرواح تُزف إلى الآخرة ، قِطع الأكفان المضرجة بالدماء والعطورات النتنة ، شاهدتُ كل شيء ، كل شيء، الدموع التي سالت وأمتزجت بملوحة البحار ، الدماء التي غادرت ومنها الأرض شربت وإلى جوفها تسللت فعانقت حقول البنزين هُناك ، الأشلاء التي دُفنت وتفتت وإلى سمادٍ تحولت ، رأيتُ كل شيء ، لكنني ما زلتُ محصناً بِحبكِ فنجوت، نجوت لكي أواصل العبور نحوك ِ، أعدكِ أنني سأحطمُ كل الحواجز حتى أراكِ أمامي وحين أراكِ في القُربِ مني سأنتشلكِ من التعاسات والشتات ، سأضمكِ إلى صدري حتى تعود أنفاسي التي انقطعت، صدري الذي يشتاق إليكِ ، إليكِ يا كُل القصائد والروايات


تعليقات